خمس وصايا في طريقك إلى حدائق المعروف
إنها وصايا موجزة تأمن بها على نفسك ومعروفك من الضياع بإذن الله تعالى :
أولها : اقصد بعملك وجه الله تعالى ، واتبع فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يصلح العمل إلا بهذين الشرطين ، { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ، 110 الكهف
ثانيها : لا تتأخر في الاستجابة لنداء المعروف ، بل سارع فيه بنفس طيبة راضية سعيدة ، فإن ذلك من التقوى ، فإن الله يقول : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } .
واستمع إلى نادرة من نوادر المعروف ، وهي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يصلي نفلاً ، وكان مولاه نافع جالسًا بقربه ينتظر منه أي أمر يحتاج إليه ليؤديه ، ولا يخفى أن نافعًا كان من كبار العلماء ، وأنه من رواة موطأ الإمام مالك رحمه الله ، وقد أحبه عبد الله بن عمر حبًا شديدًا لما وجد من صفات عالية ، وفي أثناء قراءة عبد الله بن عمر _ في صلاته وصل إلى قوله سبحانه وتعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } . فأشار عبد الله بن عمر رضي الله عنه بيده فلم يفهم نافع لم يشير مع شديد حرصه على تنفيذ ذلك ، فبقي ينتظر تسليمه ليسأله : إلى ماذا يشير ؟ فقال عبد الله رضي الله عنه : تأملت فيما أملك فما وجدت أعزّ لي منك ، فأحببت أن أشير إليك بالعتق وأنا في الصلاة ؛ خوفًا أن تغلبني نفسي فأعدل عن ذلك بعد الصلاة ، فلذلك أشرت ، فبادر نافع ـ رحمه الله ـ وقال : إذًا الصحبة ، فقال ابن عمر _ : لك ذلك .
ثالثها : إذا وفقك الله لصنع المعروف فأحسن فيه واجتهد ، فإن الله يقول : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (26) يونس .
واحرص على عمل المعروف مجتهدًا *** فإن ذلك أرجى كلَّ منتظرِ
وضع نفسك في حال أخيك الذي احتاج إليك ، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه .
رابعها : لا تذكّر نفسك بمعروفك ، ولا تمنَّ به على من تكرمت به عليه ، ولا تحدِّث به أحدًا من الناس إلا إذا رأيت مصلحة في ذلك ، فإن الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } ، واعلم يقينًا أنه قد وضع في ميزانك عند الله الكريم ولو أنكره أهله :
ولا يضيع وإن طال الزمان به *** معروفُ مستبصرٍ أنثى أو الذكر
إن لم تصادف له أهلاً فأنت إذًا *** كن أهله واصطنعه غير مقتصرِ
أغث بإمكانك الملهوف حيث أتى *** بالكسر فالله يرعى حال منكسر
خامسها : كافئ من صنع لك معروفًا ولو بكلمة طيبة ، فإن ذلك يساعدك بعد الله على صنع المعروف : فإن الله يقول : { ولا تنسوا الفضل بينكم } .
وكافئن ذوي المعروفِ ما صنعوا *** إن الصنائعَ بالأحرار كالمطر
ولا تكن سَبِخًا لم يجدِ ماطرُه *** وكن كروض أتى بالزهر والثمر
واذكر صنيعة حرٍ حاز عنك غنى *** وقد تقاضيتَه في زي مفتقِرِ
وختامًا
هذه بعض حدائق المعروف ، وهذه بعضًا من رياضها ، ميسّرة السبل ، مفتحة الأبواب ، طيبة الثمر ، كريمة الأجور والأثر ، فاللهم لك الحمد على عطائك ، وكرم فضلك ، اللهم إنا نسألك التوفيق إلى ما تحبه وترضاه ، ونسألك أن ترزقنا الجنة وتقينا النار ، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك ، اللهم سدد رميهم ، وبارك لهم في عتادهم ، وضاعف قوتهم ، واشف مريضهم وتقبل شهيدهم ، وكن لضعفائهم خير نصير ، اللهم حرر المسجد الأقصى من براثن اليهود الغاصبين ، اللهم أرنا في اليهود وأعوانهم يومًا أسودا ، مزق صفوفهم ، وخالف بين كلمتهم ، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين ، اللهم منَّ على بلادنا خاصة وبلاد المسلمين عامة بالأمن والاستقرار والاستقامة والأمان ، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا من الأزواج والذرية والأموال ، واجعل ذلك قرة عين لنا في الدنيا والآخرة ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ، ولجميع المسلمين ، إنك سميع مجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين